وداعٌ بنكهةِ اللقاء

Writer: Rowaa Sayed

Editor: Duha Mohamed

Calligrapher: Abdelrahman Barakat


ليلةٌ ديسَمبـريّـة أخرى قدْ طرقت البابَ.. تمامًا كتِلكَ التي شهِدَت على كلماتِ وداعِكَ الأخيرة.. تِلكَ التي حفّها التأثر من كل جانِب وقد شجعتها دُموعي على الاستمرار.. هجرتَني وكـأنني يومًا لم أكُن.. وكأن كل لحظاتنا قدْ تبخرّت في غضونِ ثوانٍ.. وحينها فقط أيقنتُ أنك لن تعودَ مُجددًا..

كلماتُكَ الأخيرة كانت تحمِلُ لحنًا حزينًا.. لحنًا مُودِّعًـا.. لم تنتبه أنتَ لهُ، ولكنني فعلت.. دائمًا ما كنتَ تُـفكّر في نهايةِ الطريق.. ولأني أحِبـُكَ، أخذتُكَ إليه بـيدي.. ساعدتُكَ على الرحيلِ وأنا التي لا تُريدَك أن تَرحَلَ أبدًا.. كنتَ تظنني ألوّحُ لكَ بالوداعِ.. ولكن في الحقيقة.. كان كل شيء بي يـُناديكَ لِتَبقى!

والآن، أدرِكُ ولأول مرّةٍ أنّ الصمتَ أصبحَ يُلازِمُني.. فهجرتـني الكلماتُ بدورِها مِثلما فعلتَ أنتَ تمامًا.. فجأة وبِلا أي سابق إنذار.. ولكن اليوم استطعتُ استعادَة بِـضعـًا منها علّي أجِدُ من خلالِها وسيلةً لاستعادتك أنتَ أيضًا.. أكـتُبُ لكَ اليوم رسالتي الأخيرة علّها تـقعُ بين يديكَ يومًا..

أكـتُبُ لكَ اليومَ بكلِماتٍ قد ملأها الأسى والخذلان.. أكـتُبُ لكَ بعباراتٍ قد اختـنقت من طولِ الانتظار.. أكـتُبُ لكَ معاتِبةً وراجيةً في الوِصال.. أكـتُبُ لكَ اليومَ عنّي.. عن تِلكَ الأحاديثِ التي تنامُ في فمي وأستيقـِظُ فلا أجدُ لها أثرًا.. ولو كنتَ هُنا لبحثـنا عنها معًا.. ولكنك اخترتَ الرحيلَ تارِكًا إيـّـاي أتخبطُ بين ثوراتٍ من الغضبِ والانتظار..وحينما استضأتُ بوَميضِ الانـتظارِ.. انطفـأت قناديلُ العُمرِ!

هل أخبِرُكَ عن شوقي؟ حسنًا، لأمنحُكَ لمحةً عن كيفَ يـبدو.. يقودُني إليكَ شوقٌ لا ينـتهي ويردني عنكَ جُرحٌ أنت صاحبُه.. هكذا كنتُ أشعُر.. أشتاقُ ولكن أعجزُ عن التعبير.. أتـألمُ ولكن جُرحي لا يُداوى.. هل تعلم؟ كل الجِراحِ إذا داوَيتَها بَرَأت، إلا الفُراقُ.. جُرحٌ غير مُلتـئمٍ.. ويقولون بلى، الوقتُ يشفي.. يمرُّ الوقتُ ويزيدُ الألمُ ألمـًا.. أما عن أملي في لُقيـاك فهو في تناقُصٍ.. وكيفَ يزيدُ وأنت الذي بترتَه؟

كانت حَياتي من قبلِ أن ألقاكَ كالأرضِ القـفار التي لا يواطِنُها بشر، فلماذا ستكون أنتَ استثناءًا ؟ وكأن داخلي جزءٌ كان يتوقـع رحيلَك.. وجزءٌ آخر قدْ آمن أنك باقٍ.. تُعانـِقني الموسيقى في كل مرةٍ أكون بمفرَدي وتمرُّ معزوفةُ حِكايتُنا وتمرُّ معها الذكريات.. أمّا عن الأيام فغدت جميعُها مُتشابِهةً إلا ذاك اليوم القديم.. ذاكَ الذي قد سكنَفي أبـعد رُكنٍ من أركانِ عقلي وقلبي معًا.. ذاكَ الذي باتت فيه كل الذكريات نـاضِجة.. وهو ما زال يمتدُّ في أيامي.. تتكررُ لحظاتُه وتُعادُ مشاهدَه مِرارًا.. وبقيتُ أنـا عالِقةً بين جُنباتِه المحفوظة وأركانه التي قد سئمَت عينايَ من لمحِ طيفِـها..

أكتُبُ لكَ وقد جفَّ الدمعُ وانقضى الشوق.. أكتُبُ لكَ فقط لأذكرك بذاك الوعد الذي قطعتـه مؤكدًا اللقاء.. أكتبُ لكَ الآن وقلبي خاليَ الوفاض.. أكتبُ لكَ وقدْ تجاوزتُ أنا الشقاء.. حتى ذاك الغضب الذي حدثتك كلماتي عنه لم يعُد يراودني تجاهك.. أكتبُ لكَ وقد أغلقتُ نوافِذَ الانتظار، فَبرْدُ الحنينِ لا يرحم ليلًا.. وكم أتمنى لو أنني لم أفعل.. أو أنك لم تفعل.. كم أتمنى أن يرجِعَ بي الزمن إلى الوراء، فلا أهيم بكَ أو أتعلقُ بكَ كطفلـةٍ قد وجدت دُميتها.. أو أن يرجِعَ بكَ أنت الزمان.. فلا تصيحُ بذاك الوداعِ ذي نكهةِ اللقاء